الفيحاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


يعتني المنتدى بمجموعة من المواضيع العامة منها التربية و التعليم في سوريا
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
تقدير الذات الرياضيات الذكاء مهارة المسلمات المشاركة
المواضيع الأخيرة
» تقدير الذات
الرحمن الرحيم Icon_minitime103/04/14, 12:54 pm من طرف Admin

» الحوار والتواصل مع اليافعين
الرحمن الرحيم Icon_minitime103/04/14, 12:23 pm من طرف Admin

» Opera 20.0.1387.91 Final
الرحمن الرحيم Icon_minitime103/04/14, 12:11 pm من طرف Admin

» التعلم بالاكتشاف
الرحمن الرحيم Icon_minitime124/07/13, 05:27 pm من طرف Admin

»  برنامج تشغيل المالتيميديا العملاق MPlayer 2013-06-29 Build 117 بحجم 36 ميجا
الرحمن الرحيم Icon_minitime115/07/13, 02:49 pm من طرف Admin

» USB Disk Security
الرحمن الرحيم Icon_minitime115/07/13, 02:38 pm من طرف Admin

» ثيم اكثر من رائع لمستخدمي windows 7
الرحمن الرحيم Icon_minitime114/07/13, 06:33 pm من طرف Admin

» عملاق فك و ضغط الملفات بأحدث إصدار لة + الباتش
الرحمن الرحيم Icon_minitime113/07/13, 03:32 pm من طرف Admin

» يا الله يا الله يا الله يا الله
الرحمن الرحيم Icon_minitime113/07/13, 03:17 pm من طرف Admin

مارس 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 الرحمن الرحيم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 227
تاريخ التسجيل : 22/04/2012

الرحمن الرحيم Empty
مُساهمةموضوع: الرحمن الرحيم   الرحمن الرحيم Icon_minitime113/07/13, 01:56 pm


الرحمن .. اسم مشتق من الفعل ( رحم ) والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة , وتراحم القوم أي رحم بعضهم بعضا والرحم القرابة . والرحمن اسم من أسماء الله الحسنى , وهو مشتق من الرحمة وهو اسم مختص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره , فقد قال عز وجل ( قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ) معادلا بذلك اسمه الرحمن يلفظ الجلالة الذي لا يشاركه فيه أحد , ورحمن على وزن فعلان وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة والزيادة في الصفة .
والرحيم .. اسم مشتق أيضا من الفعل رحم .. والرحمن والرحيم من صيغ المبالغة .. يقال راحم ورحمن ورحيم .. فإذا قيل راحم فهذا يعني أن فيه صفة الرحمة .. وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة , وإذا قيل رحيم فهي أيضا مبالغة في الصفة , والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .
ولا يظن أحد أن صفات الله سبحانه وتعالى تتأرجح بين القوة والضعف , وإياك أن تفهم أن الله تأتيه الصفة مرة قليلة ومرة كثيرة , بل هي صفات الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات اقرأ قول الحق تبارك وتعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) سورة النساء
هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى ثم تأتي الآية الكريمة (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) . ونلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة ظلام .. أي شديد الظلم ويظن البعض أن قول الحق سبحانه وتعالى ( لَيْسَ بِظَلَّامٍ) لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة في الظلم . نقول لهؤلاء : إنكم لم تفهموا المعنى الصحيح , لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا .
فالآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد .
والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحد منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه
الأعداد الهائلة , فإن الظلم يكون كثيرا جدا , ولو أنه قليل في كميته , لان عدد من سيصاب به هائل .
ولذلك فإن الآية الأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى , والآية الثانية نفت عنه الظلم أيضا .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة نأتي بعد ذلك إلى رحمن ورحيم .
رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين تشملهم رحمته فيها , فرحمة الله في دنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهم لا يؤاخذهم بذنوبهم , ويرزق من آمن به ومن لم يؤمن به , ويعفو عن كثير .
إذن عدد الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلق الله بصرف النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم , ولكن في الآخرة الأمر مختلف , فالله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة الله .
إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة أقل عددا من الذين تشملهم رحمته في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة ؟ تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة أكبر كثيرا منها في الدنيا .. المبالغة في الآخرة بخصوصية العطاء وكثرة النعم والخلود فيها .
والرحمة الإلهية تشمل في ثناياها العديد من الصفات , فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه الغفار .. الوهاب .. الرزاق .. الشكور .. الكريم .. الواجد .. التواب .. العفو .. الهادي .
ورحمة الحق جل وعلا تغمر المخلوقات جميعا منذ أن خلقها وإلى أن نقف بين يديه , فيدخلها جنته أو يذيقها عذابه .
وإذا تأملنا الكون المحيط بنا تجلت لنا رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة .. فالحق تبارك وتعالى كان رحيما بنا حين خلقنا من العدم المطلق , ودون أن يكون لنا سابقة وجود , ودون أن نطلب منه ذلك , وكيف نطلب ولم نكن ساعتئذ شيئا مذكورا كما قال جل وعلا : ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ) سورة الإنسان
وكان رحيما بنا حين أعد لنا هذا الكون الفسيح , موفرا لنا كل مقومات الحياة من قبل أن نظهر في مرآة الوجود .
فالشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض , وهذا البعد الثابت يضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة .. لا يزيد فتقتلنا الحرارة , ولا ينقص فتقتلنا البرودة , والهواء يحيط بنا ويحوي الأوكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق الطاقة التي تكفل للجسم القيام بوظائف والماء الذي يمثل معظم مساحة الكرة الأرضية بما له من وظائف غير محصورة في جسم الإنسان , هذا فضلا عن استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان شر الأمراض والآفات .
ومن رحمته عز وجل أنه جعل في الهواء من الخاصية ما يمكنه من حمل الطيور الطبيعية والصناعية وهي الطائرات التي ابتكرها الإنسان في العصر الحديث ! وجعل في الماء من الخاصية ما يمكنه من حمل السفن العملاقة التي تحمل الناس بأمتعتهم مئات بل آلافا من الأميال إلى أماكن لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس أو غير بالغيها أبدا .
فالحق جل وعلا كان يعلم أزلا أن الأرض سوف تعمر بنسل آدم وسيصبح من الضروري أن تستجد وسائل مواصلات أكثر قوة وسرعة تسهل عليه التنقل عبر المسافات المتباعدة , فلولا الطائرات والسفن ما كان الإنسان ليصل إلى الأمريكتين أو إلى قارة استراليا مثلا .. وما كان التعامل بين دول العالم ليصل إلى ما وصل إليه .
إن مرحلة إعداد الكون لم تكن مقصورة فقط على توفير مقومات الحياة البدائية التي عاشها الإنسان في بدء الخليقة .. بل إن الحق جل وعلا قد وضع في الكون عناصر ومواد , وهو يعلم أن استخدامها سيحين بعد آلاف أو ملايين من السنين حينما يزحف العمران على سطح الكرة الأرضية .
خذ على سبيل المثال عنصر البترول الذي يمثل أهم مصادر الطاقة والذي تستخدمه الطائرات والسيارات والماكينات المختلفة في دورتها الحركية .
انظر إلى سائر العناصر التي استخدمها الإنسان في صناعة المبتكرات الحديثة .. هل وجدت هذه العناصر في باطن الأرض بمحض الصدفة .. إنه الجهل بعينه أن نتصور كما تصور الشيوعيون أنها موجودة بالصدفة المحضة .. لأن الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ويقبلها العقل وتطمئن لها الفطرة السليمة .. هي أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه العناصر , فقد قال جل وعلا : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) سورة الزمر
وبعد أن خلقها ادخرها في باطن الأرض حتى يمكن الإنسان من الاستفادة بها في وقت الحاجة إليها .. وحتى يستطيع بنو آدم التواؤم مع الظروف الجديدة والمتمثلة في زيادة أعدادهم وانتشارهم عبر جميع بقاع الكرة الأرضية .
وإذا تساءلنا : هل كان الإنسان ليستطيع أن يتنقل بين أماكن بينها آلاف الأميال لولا وسائل المواصلات الحديثة ؟ وهل كان يستطيع الاتصال بأبناء جنسه المقيمين بالأقطار المختلفة لولا أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية ؟ .
بالطبع ما كان الإنسان ليستطيع ذلك لولا وسائل المواصلات وأجهزة الاتصال .. وما كان أيضا ليستطيع أن يتوصل إلى هذه الاختراعات أعدها الله جل وعلا برحمته سلفاً وادخرها في باطن الأرض حتى يحين وقت استخدامها .
وبعد أن أعد لنا عز وجل هذا الكون , أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا بأتينا فيه الرزق .. بلا حول وقوة .. رزقا منه تبارك وتعالى بلا تعب ولا مقابل .. يقول عز وجل في الحديث القدسي : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته , ومن قطعها قطعته .
ومن رحمته جل وعلا أنه ينبت لنا من الأرض الجدباء طعاما نأكله وفي ذلك يقول تبارك وتعالى : ( فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) سور الروم
ومن رحمته أنه جعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة والسكينة بعد عناء العمل , وجعل لنا النهار للسعي والعمل واكتساب القوت فقال عز وجل : ( وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ) سورة القصص
ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالرسالات السماوية إلى الناس كافة ليخرجهم الظلمات إلى النور , وأرسل رسوله محمدا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم خاتم الأنبياء والمرسلين بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين فيقول تعالى : ( وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) سورة الأنعام
ويقول سبحانه : ( أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الأعراف
ويقول عز وجل : ( وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الأعراف
فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم النبيين والمرسلين هو الرحمة العظمى التي جاد بها الله عز وجل على بني آدم , فمنهم من قبلها ومنهم من أعرض عنها .
القرآن الكريم هو الذي أخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان , ونقلهم من العقائد الواهية التي بنيت على الوهم والظن إلى عقيدة قويمة بنيت على اليقين الذي لا يقبل الشك .
فمن آمن بالقرآن الكريم واتبع أوامره وانتهى عن نواهية كان له نور وشفاء و رحمة , وفي ذلك يقول تبارك وتعالى Sad وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) سورة النحل
ويقول سبحانه : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) ويقول تبارك وتعالى : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) سورة الأعراف
ويقول الحق سبحانه : (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ) ويقول جل جلاله : ( فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) سورة الأنعام
ومن رحمته جل وعلا أنه بين لنا موجبات رحمته , وعرفنا السبيل إلى استجلابها , فقال تعالى : إن رحمت الله قريب من المحسنين
فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به , الطائعين له .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا ويبعثهم يوم القيامة .. يوم الفزع الأكبر .. آمنين .
ألم ينج الله عز وجل هودا عليه السلام من قوم عاد بعد أن كفروا بما جاءهم من عقيدة التوحيد واتهموه بالسفاهة وكادوا يفتكون به وبمن اتبعه من المؤمنين ؟ وفي ذلك يقو ل عز وجل : ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) سورة الأعراف
وصالح عليه السلام حين أمر قومه ألا يقربوا الناقة وأن يذروها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فعقروها فأصابتهم الصيحة ونجي الله صالحا ومن آمن معه , وفي ذلك يقول جل وعلا : ( فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) سورة هود
كما قال عز وجل عن شعيب عليه السلام : (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) سورة هود
ولعلنا لا ننسى في هذا المدار أهل الكهف وكيف أن الله تبارك وتعالى قد جعلهم عبرة ودليلا على أن الإيمان القويم المصحوب بالصدق في القول والعمل يستجلب رحمة الله لتغمر المؤمن به الملتزم بطاعته ولتجعل له الصعب سهلا .
إن قصة أهل الكهف .. هي قصة كل قوم يفرون من الطغاة الذين يحاولون حملهم قسرا على الكفر بالله .. فيفروا بدينهم .. لقد اختبأ الفتية في كهف .
إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله : (فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) وبهذه الصفة علمنا أن أهل الكهف .. لم يكونوا من الشيوخ الضعفاء , أو مجموعة من النساء .. إنما هم فتية .. أي فيهم شباب وفتوة , وأنهم آمنوا بربهم .. أي أنهم فتية مؤمنون بالله .. وأن الله سبحانه وتعالى لما آمنوا به زادهم إيمانا وهدى من عنده .. فالله جل جلاله يزيد المؤمن إيمانا .. ويعينه على الطريق
مادام إيمانه صحيحا وقويا .. مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) سورة محمد
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه يعين المؤمن على طريق الإيمان فيزيده من فضله .
هؤلاء الفتية خافوا على دينهم وخافوا على عقيدتهم من أن يجبرهم حكامهم على عبادة غير الله .. ففروا بدينهم إلى كهف في الجبل .. يختبئون فيه من الطغاة الكفرة .. والكهف مكان ضيق .. لا يستطيع الإنسان أن يمضى فيها إلا وقتا قصيرا .. وأقرأ قول الحق جل وعلا : ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) سورة الهكف
الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نعلم .. أن هذا الكهف الضيق .. الذي بفكرنا البشري وتفكيرنا المادي نظن أنه سيضيق عليهم مكانا بمساحته الصغيرة .. وزمانا بأنه لا أحداث فيه .. هذا الكهف إن ضاق عليهم مساحة , فلن يضيق عليهم انعاما .. فرحمة الله سبحانه وتعالى ستجعل هذا المكان الضيق يبدو رحبا واسعا .. فلا يحسون بضيق المكان والزمن يتوقف فيه فلا يحسون بضيق الزمان .. بل تأتي رحمة الله لتحيط بهم .
إن هذا يلفتنا إلى أن كل من يفر بدينه .. إلى مكان غير الذي يقيم فيها , ومهما كان هذا المكان ضيقا فإن الله برحمته يجعله واسعا رحبا .
فإن كان هذا المكان فيه ضيق في الرزق .. فتح الله للمستمسك بدينه من أبواب الرزق ما يجعله أغنى الأغنياء .
وإذا كان هذا المكان يضيق بالغرباء ..أي لا يرحب فيه بغريب .. وضع الله من رحمته في قلوب سكان هذا المكان ما يجعلهم أشد الناس ترحيبا به وإن كان تهذا المكان ضيقا بمن فيه أي مزدحما أوجد الله له مكانا متسعا يعيش فيه .
لقد غمر الله أهل الكهف برحمته مكافأة لهم على الفرار بدينهم فلم يجعلهم يفكرون في أنهم مضطهدون حتى لا يعيشوا في قلق ورعب من أن يحلق بهم الطغاة الكفرة , أو يكتشفوا مخبأهم , كما أزال من حياتهم همّ البحث عن الطعام والشراب , لأن عملية البحث كانت
ستعرضهم لظروف قاسية كل يوم .. هي أن يخرج أحدهم من الكهف ليأتي لهم بطعام وشراب , وهو يتلفت حوله خوفا من أن يراه أحد أعوان الطغاة , فيرشدهم إلى الكهف .. أو أن يتتبعه أحد فيكشف سرهم .. لذلك ألقى عليهم آمنة نعاسا أي ألقى عليهم النوم في الكهف .. فلا يشعر بهم أحد , ولا يشعرون بالوقت .. ولا يحتاجون إلى طعام وشراب .
وهكذا نجاهم الله برحمته من كل ضيق دنيوي .. فلا هم أحسوا بضيق المكان , ولا أحسوا بملل الزمان , ولا أحسوا بقلق توقع الخطر , ولا أحسوا بضيق حياتهم .. بل الله تبارك وتعالى برحمته المطلقة أذهب الضيق تماما .. وكانت هناك آيات بقدرة الله تولتهم بعنايته ورحمته .
ونبي الله أيوب عليه السلام حين اشتد عليه البلاء فالتزم الصبر ولم يخرج عن حدود الإيمان القويم غمره الله برحمته ورفع عنه البلاء وأعاده إلى حال أحسن من حاله قبل البلاء وفي ذلك يقول تبارك وتعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ويقول جل وعلا عن إدريس وإسماعيل وذا الكفل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة أتم التسليم : ( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ*وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) سورة الأنبياء
ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ) إن الآيات القرآنية الكريمة التي جعلت الإيمان بالله تبارك وتعالى وطاعته سببا لا ستجلاب رحمته عديدة .. فقد قال جل وعلا : ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال جل شأنه : ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) وقال سبحانه وتعالى : ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) سورة الحجرات
ولعل في سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم خير دليل على العلاقة الوطيدة بين إيمان العبد ودخوله في رحمة الله . فنبينا عليه الصلاة والسلام لا يضاهي في كمال إيمانه وشدة طاعته والتزامه . ولذلك كان صلى الله عليه وسلم مشمولا برعاية الله ورحمته في كل لمحة ونفس منذ أن شرف الوجود بمولده وإلى أن لقي ربه عز وجل .. ألم تشمله الرحمة الإلهية في الغار إذ أوشك أن يعثر عليه كفار قريش ؟ وفي ذلك يقول تبارك وتعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ألم تشمله الرحمة حين التفت الكفار حول داره يريدون قتله والخلاص من رسالته .. فأعمى الله عيونهم عنه وخرج آمنا مطمئنا إلى حيث غايته , وفي ذلك يقول الحق جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) سورة يس
كم من المعارك الضاربة خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس أصحابه , وكم من محاولة غادرة ماكرة حاكها الكفار والمشركون للخلاص منه ومن رسالته .. ولكن هيهات ... هيهات أن يتحقق ما ينشدون . فالحق سبحانه وتعالى رحمة بالبشرية جمعاء شمل نبيه بعنايته ورحمته وشمل الرسالة برعايته وحمايته , حتى يخرج الناس من الظلمات إلى النور وقد قال جل وعلا : ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) وقال سبحانه : ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) ومن رحمة المولى تبارك وتعالى أنه كتب على نفسه الرحمة كما ذكرت في قوله تعالى : ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ) وكما قال سبحانه : ( فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وهذه الكتابة لا تنفي أن الرحمة صفة أصيلة له .. متعلقة بذاته .. ولكي نفهم ذلك ينبغي أن ندرك أن صفات الله عز وجل لا ترغمه على أن يتصرف وفقا لها .. بمعنى أنه عز وجل رحيم , والرحمة صفة أصيلة له , متعلقة بذاته .. ولكننا نرى أحيانا انه سبحانه يعامل بعض مخلوقاته بلا رحمة , لأنه إن شاء ذلك فعل .. فهو سبحانه وتعالى لا يحكم بغيره .. ولا يفرض عيه شيء .. ومع ذلك فقد اختار جل وعلا أن يفرض على نفسه معاملة خلقه بمنتهى الرحمة .. فكان الفرض منه وعليه ورحمة الله قد وسعت كل شيء , فشملت المؤمن والكافر , المطيع والعاصي , الحيوان والنبات , بل وشملت الجماد أيضا .. وقد قال جل وعلا : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) وقال تعالى : ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا) سورة غافر
ولعلك تشعر بالرحمة الفياضة إذا تأملت قطة ترضع صغيرتها أو أسدا يداعب شبله في معركة لا يلحق الصغير منها أذى .. إنها رحمة الله التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الكون إلا غمرتها . ولقد قلنا مرارا إن الله عز وجل رحمن الدنيا ورحيم الأخيرة .. فرحمانيته في الدنيا شملت جميع خلقه .. المؤمن والكافر والطائع والعاصي بينما يختلف الأمر في الآخرة , إذ أن رحمته ستشمل المؤمنين فقط فكما شملتهم في الدنيا باسمه الرحمن فإنه سوف يشملهم في الآخرة باسمه الرحيم فيغفر لهم خطاياهم ويرحمهم ويدخلهم جنته برحمته , وفي لك يقول جل وعلا : ( أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ويقول سبحانه : ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ ) ويقول وقوله الحق : ( سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة التوبة
وإذا تتبعنا اسمه عز وجل الرحمن في الآيات القرآنية التي ورد فيها وكذلك إذا تتبعنا اسمه الرحيم لتأكد لدينا أنه رحمن الدينا ورحيم الآخرة . خذ على سبيل المثال قوله تعالى : ( يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا*يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) ولقد ورد اسم الرحمن في الآيتين السابقتين ولم يرد اسم الرحيم .. وذلك لأن رحمانية الله في الدنيا شملت جميع خلقه . ولو لم تشملهم جميعا لما أمهل الله عز وجل الشيطان إلى يوم القيامة , ولما أمهل آزر رغم أنه متمسك بشركه وكفره وتأمل أيضا قوله تعالى : (لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ) وقوله سبحانه : ( قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا) فعلى الرغم من كفر الكافرين , وضلالة الضالين .. تجد أن الحق جل وعلا يشملهم برحمانيته فيمهلهم ويمد لهم في الوقت لعلهم يذكرون أو يخشون . وبينما تدل الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن على شمول الرحمانية لجميع المخلوقات في الدنيا , نجد أن اسم الرحيم لا يرد في الغالب إلا مع المؤمنين الطائعين أو التائبين النادمين وتجلى ذلك في قوله تعالى : ( فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وقوله سبحانه : (أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقوله تعالى : ( فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ومن كمال رحمته جل وعلا أنه لا يأخذ الكافر والمشرك والعاصي بذنوبهم على الفور .. بل يمد لهم ويمهلهم لعلهم يرجعون . وفي ذلك يقول تبارك وتعالى : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) يأخذ الجميع ثم يتغمد عباده برحمته .. فيقيهم عذاب ناره , ويسكنهم فسيح جناته .
وإن كانت رحمة الله عز وجل عامة شاملة في الدنيا كما أوضحنا .. فهذا لا ينفي أن المؤمن يختص منها بنصيب متميز . فالرحمن بالكفار و العصاة تتجلى في إبقاء الله لهم وإمهالهم إلى أن يحين أجلهم .. ويتجلى أيضا في أن الله تبارك وتعالى لا يحرمهم من نعمه . أما رحمة الله بالمؤمن .. فهي الحياة الكريمة الهادئة المستقرة في الدنيا والآخرة .. إنها الحياة التي ينعم المؤمن فيها برضاه عن نفسه وعن خالقه وعن حياته .. وحتى ولو ابتلي أشد البلاء .. في صحته أو ماله أو أهله .. وماذا يبغي الإنسان منا أكثر من ذلك ؟ .
وانطلاقا من هذه الحقيقة اختص تبارك وتعالى أمة التوحيد الصحيح الكامل .. أمة المصطفى عيه أفضل الصلاة وأتم التسليم برحمات لا تحصى منها بل من أهمها القرآن الكريم .. الرحمة العظمى .. تلك الرحمة العامة التي قبلوها دون غيرها من أمم الكفر والشرك .. فغمرتهم دون سواهم .. هذه الرحمة التي تتجلى في القلوب فلا يشعر بها إلا من قبلها .. ويعمى عنها من رفضها وردها فلا يلمس لها أثرا في نفس ولا في غيره .
ومن هذه الرحمات أيضا أن الحق تبارك وتعالى جعل لأمة محمد في قلب نبيهم رأفة ورحمة بهم .. ولقد كان لرحمته صلى الله عليه وسلم بصحابته والتابعين مالها من الآثار والنعم .. تلك النعم التي لم تنقطع منذ بعثته وإلى وقتنا هذا . فحسبه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أنه علم المسلمين أن من لا يرحم لا يُرحم .. وأن مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. وقد قال جل وعلا : ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
ومن هذه الرحمات أيضا أنه عز وجل جعل في قلوبهم رأفة ورحمة فيما بينهم مما أشاع الود والترابط بينهم .. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى : ( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) ويقول سبحانه أيضا : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) سورة الفتح
ومن هذه الرحمات أنه جل وعلا يسر عليهم الحساب حتى يجتازوا الاختبار ويؤدوا الأمانة التي حملوها باختيارهم .. فينتهوا إلى النعيم الأبدي الذي لا يعتريه شقاء ولا كرب ولا ملل .. فمن جاء منهم بالحسنة ضاعفها له إلى عشرة أمثالها .. وإلى سبعمائة ضعف .. ويضاعف فوق ذلك لمن يشاء .. ومن أتى بالسيئة فلا يجزى إلا بها وفي ذلك يقول تبارك وتعالى : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) كما قال سبحانه : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) وقال عز وجل : ( وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) وقال تبارك وتعالى : ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة
وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : إن الله كتب الحسنات والسيئات , ثم بين ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعلمها كتبها الله له حسنة كاملة , فإن هو همّ بحسنة فعملها , كتبها الله له عشر حسنات , إلى سبعمائة ضعف , إلى أضعاف كثيرة , ومن همّ بسيئة فلم يعملها , كتبها الله له حسنة كاملة , فإن هو همّ بها فعملها , كتبها الله سيئة واحدة .
وفضلا عن ذلك فإنه تبارك وتعالى قد فتح أمامهم باب التوبة والمغفرة على مصراعيه .. حتى إذا ما أذنبوا فندموا فاستغفروا فرجعوا إليه غفر لهم ذنوبهم وتغمدهم برحمته وفي ذلك يقول جل وعلا : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويقول سبحانه وتعالى : (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ويقول جل وعلا : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ويقول سبحانه : (أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة الأنعام
من رحمته بهم أيضا أنه فتح أمامهم أبواب الخيرات .. لترجح كفة حسناتهم فينتهوا إلى حيث النعيم الأبدي .. إلى حيث صفاء النفوس المؤمنة صفاء لا يعكره كدر .. ونعيم لا يشوبه انقطاع أو يقطعه ملل . لقد نوع المولى عز وجل لهذه الأمة مصادر الحسنات .. ما بين صلاة وصيام وحج .. وفرض على نفسه أن يكافئ المحسن ولو على ذرة من الخير عملها في وقت من الأوقات , وفي ذلك يقول جل وعلا : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) سورة الزلزلة
فالابتسامة في وجه أخيك صدقة .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة .. الكلمة الطيبة صدقة .. اللقمة يضعها المرء في قم امرأته له بها صدقة . أي رحمة بعد ذلك وأي تخفيف ؟ إنه سبحانه وتعالى يتلمس لنا أسباب النجاة والفوز بالجنة , ويهيئ لنا من أبواب الخير ما يحول بيننا وبين جهنم والعياذ بالله .. فما علينا إلا أن نسلك الطريق وأن نغتنم هذه التيسيرات فنتقى النار ولو بشق تمرة .. إن كل شيء في الكون رحمة من الله سبحانه وتعالى بخلقه حتى لو تبدى للناظرين أنه عناء وشقاء .. الشياطين .. الحيوانات المفترسة .. الثعابين .. العقارب .. الفجائع التي تصيب الإنسان في الأهل والأحباب .. في الصحة والمال .. كل هذا من رحمة الله بخلقه
فمن حمته تبارك وتعالى ورحمته أنه أوجد للإنسان أعداء متعددين يلاحقونه دوما .. حتى إذا ما ضاق بهم ذرعا .. وعجز عن مقاومتهم . لجأ إلى خالقه ... ليكون له طوق النجاة .. ولو أنه عز وجل لم يفعل ذلك لما ذكر الإنسان ربه إلا قليلا . وهكذا يتجلى لنا أن الرحمة قد تكمن في جوف النقمة .. ولا شك أن كل ما يقرب الإنسان من خالقه هو الخير بعينه والرحمة بعينها وأن تجلى للسطحيين أنه نقمة ليس لوجودها مبرر . والمؤمن يجب أن يدعو الله دائما أن يتغمده برحمته في الدنيا والآخرة .. فالدعاء لاستجلاب الرحمة من خصال المؤمنين الصادقين المتقين الذين يخشون الله عز وجل ويخشون عذابه لأنهم على يقين أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق .. ولنقرأ قوله تعالى: ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( وقوله تعالى: ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ*قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ( وقوله تعالى: (أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقوله تعالى : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ( وقوله تعالى : ( فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) سورة المؤمنون
ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظن الطائع أنه أطاع بخالص قدرته وإرادته , لأن الانتقال من الكفر إلى الإيمان , ومن المعصية إلى الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى) :وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ( ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته , ولقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال جل وعلا : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (وقال سبحانه: ( قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
وقال عز وجل ( فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) سورة يوسف
إنه عز وجل أرحم الراحمين وخر الراحمين , ورحمته وسعت كل شيء .. فهي الرحمة المطلقة التي غمرت كل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصية له والجحود بأنعمه . ومن العجيب أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والعاصية تحاول هباء أن تشكك في طلاقة الرحمة .. فيقولون : كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخل بعضا من خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب ؟ .. محاولين بذلك أن يلتمسوا لأنفسهم مخرجا إذا ما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق , وإذا ما اكتشفوا زيف عقائدهم التي أصروا عليها في الدنيا وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم , وجهلهم بمفهوم الكمال الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم من لم يعلم , ويثبت من عليم .
لقد قلنا ردا عليهم : أن هذا فهم قاصر .. إذ أن رحمة الله قد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل بتوفير مقومات الحياة لهم من هواء وماء وطعام إلى غير ذلك مما لا نستطيع حصره , وفي مقابل ذلك طلب منهم عبادته وطاعته بما هو ميسور لهم من العبادات , وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعض الأعمال وامتناع عن بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمة هادئة ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة , فإذا أطاعوا الله فيما أمر به ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا .
وأما من عصى ولو يعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه موجبات الرحمة في الآخرة , واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذي يقضي معاملة كل إنسان وفقا لعمله في الدنيا . ولو ساوى الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبح ظالما لعباده الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشمل رحمته في الدنيا جميع خلقه , وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في الآخرة عباده الصالحين الطائعين , بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت على المعصية قد يكو رحمة الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها , فإذا أدخلها الجنة بعد ذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها .
إن الله تبارك وتعالى واحد أحد متعدد الصفات , ولكل صفة مجال للعمل , فصفة الرحمة لها موجبات , وصفة الانتقام لها موجبات , فإذا تحققت موجبات الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارض بين هذا وذاك . وانه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان من الصفات الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها , بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات وكأنها ليست من صفات الله عز وجل . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لما قضى الخلق كتب عنه فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي ... وق رواية تغلب غضبي ... أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من الرحمن أكبر من قسطهم من العذاب , لنيلهم إياها بلا استحقاق , فقلم التكليف مرفوع عنهم إلى البلوغ , وعقوبة العصيان غير معجلة , وحتى مع العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم . إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب , ولا تعارض البته لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح . فسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول : أنا الملك .. من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ ومن ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ ومن ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر . فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mathe.ahlamontada.com
 
الرحمن الرحيم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الفيحاء :: حوارات عامة :: مواضيع إسلامية-
انتقل الى: