قال العالم الرياضي جلبرت :
"الرياضيات ليست إلا لعبة يلعبونها وفق قواعد بسيطة مستخدمين في ذلك رموزاً و مصطلحات ليس لها أهمية بحد ذاتها "
يتراءى لك مثل هذا التعريف للرياضيات تعريفاً ذكياً جداً و لكنه غير جدي , في الوقت الذي يحوي هذا التعريف تقويماً عميقاً و صحيحاً للرياضيات و ذلك إذا فهمنا الرياضيات كعلم مؤسس على جملة من المسلمات*
فالمسلمات تعتبر صحيحة لا تتطلب أي برهان لكونها مفهومة وواضحة و ذات بناء منطقي سليم و لا يمكن تعليلها بموضوعات أكثر بساطة ووضوحاً منها - هذا في الماضي -
أما اليوم و في الرياضيات الحديثة فالمسلمات أبعد ما تكون عن الوضوح و البداهة حتى أن بعض المسلمات ليست صحيحة دوماً
فالمسلمات تعكس الخواص الأساسية لنظريات أو لجمل رياضية معينة , و إذا حدث أي شيء غير عادي في المسلمات فإن الجملة التي تدخل فيها هذه المسلمات تنهار تماماً و هذه المسألة لا تحتمل المزاح فكل جملة من المسلمات يجب أن يتحقق فيها الشرطان الأساسيان التاليان :
أولهما : يجب أن تكون تامة و غير متناقضة في داخلها .
ثانيهما : أن تكون جملة المسلمات تامة في حالة احتواءها على ماهو ضروري لبناء رياضي نظري معين تنتمي إليه .
و حتى تكون هذه الجملة غير متناقضة - أي لا تحوي تناقضاً في بناءها - يجب ألا تسمح بإعطاء تقرير حول شيء ما في أنه موجود و غير موجود بالوقت نفسه أو أن هناك بعض الموضوعات صحيحة و غير صحيحة بالوقت نفسه فإذا حدث هذا فإن بناء الجملة المنطقية المؤلفة ينهار مباشرة.
أول من لاحظ المسلمات هو أرسطو - على الأرجح- الذي اعتبر أنه في كل المجالات العلمية توجد قضايا واضحة لدرجة أنها لا تتطلب أي برهان, و هذه القضايا تؤلف جوهر و أساس هذا العلم .
أما إقليدس فهو أول من أنشأ مثل هذه الجملة من المسلمات في الهندسة . و استناداً لهذه المسلمات وضع إقليدس كل النتائج و المفاهيم الهندسية المعروفة في ذلك الوقت و ما تزال معروفة إلى اليوم و هذا ما يدعونا بكل تأكيد على القول إن الهندسة أصبحت علماً استنتاجياً يستند إلى عدد محدود من الموضوعات و تبنى كل النتائج عليها بالتدريج
و الموضوعات الخمس الأولى التي وضعها إقليدس هي :
من نقطتين في المستوي يمكن إنشاء مستقيم واحد يمر منهما ( أو أنهما تحددان مستقيماً وحيداً )
أي مستقيم في المستوي يمكن أن يمتد إلى اللانهاية
من أي نقطة في المستوي يمكن أن تمر دائرة نصف قطرها اختياري
كل الزوايا القائمة متطابقة
إذا قطع مستقيم مستقيمين و كان مجموع الزاويتين الداخليتين أقل من قائمتين فإن المستقيمين يتقاطعان حتماً في ذلك الاتجاه الذي توجد فيه الزاويتين
و مع أن موضوعات إقليدس لم تكن دقيقة أو واضحة تماماً و خاصة الخامسة منها إلا أنها بقيت و حتى القرن التاسع عشر الجملة الوحيدة من الموضوعات في الهندسة المستوية.
لقد حاول العلماء برهنة الموضوعة الخامسة دون جدوى و لكنهم أيضاً لم يستطيعوا دحضها أي برهان خطئها إلى قرروا أخيراً إتخاذ موقف متطرف ألا و هو تجاهل هذه الموضوعة و اعتبارها لم تكن و لقد حصلوا نتيجة هذا العمل على هندسة جديدةلا يوجد في بناءها أي تناقض , بل لقد توصلوا إلى أنه يوجد الكثير من هذه الهندسات المدهشة و في إحدى هذه الهندسات كانت الموضوعة التالية صحيحة :
في المستوي و من نقطة خارج مستقيم يمكن إنشاء مستقيمين موازيين لهذا المستقيم
و في هندسة أخرى كانت الموضوعة :
من نقطة خارج مستقيم لا يمكن رسم أي مستقيم موازٍ للأول
و من ثم فإن مجموع زوايا المثلث يمكن أن تكون أكبر أو أصغر من 180 ْ
هذه الهندسات التي لا تصح فيها الموضوعة الخامسة سميت الهندسات اللاإقليدية